كيف أصبحت قطر دولة لا غنى عنها في المحادثات مع حماس

أصبحت دولة قطر الصغيرة الواقعة على الخليج في مقدمة ومركز الدبلوماسية العالمية مرة اخرى، وهذه المرة لجهودها للتوسط في صفقات لإطلاق سراح الرهائن الذين احتجزتهم حماس خلال هجماتها في السابع من أكتوبر/تشرين الأول في إسرائيل، وكذلك إجلاء الرعايا الأجانب من غزة.
وقد توسطت قطر يوم الأربعاء في اتفاق بين إسرائيل وحماس ومصر، بالتنسيق مع الولايات المتحدة، لإطلاق سراح مواطنين أجانب ومدنيين فلسطينيين مصابين بجروح خطيرة من غزة إلى مصر، وفقا لمصادر مطلعة على المحادثات وأضاف المصدر أن الاتفاق منفصل عن أي مفاوضات بشأن الرهائن.
وغادر ما لا يقل عن 110 من حاملي جوازات السفر الأجنبية غزة، بحسب مسؤولين على الجانب الفلسطيني من معبر رفح الحدودي، كما بدأ مستشفى العريش في مصر في استقبال المصابين الفلسطينيين الذين عبروا من غزة، بحسب قناة القاهرة الإخبارية.
تجد قطر نفسها في موقف دبلوماسي حساس، وهو موقف يقول الخبراء إنه حتى الآن يصب في مصلحتها، مما يجعلها حليفًا لا غنى عنه لواشنطن، لكن البعض قال إن علاقة قطر بحماس قد تصبح عائقا.
يقول أندرياس كريج، الأستاذ المشارك في جامعة كينجز كوليدج في لندن والذي يركز في بحوثه على دول الخليج: “كانت علاقة قطر مع حماس عنصرا رئيسيا في استراتيجية الوساطة” مضيفا “إنه مكان تحتكر فيه قطر تلك العلاقة، وتحتكر هذا الصراع لأنها تستطيع التحدث إلى كلا الجانبين بطريقة لا يستطيع أي لاعب آخر في العالم القيام بها” باعتبارها واحدة من أقرب حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، وفي الوقت نفسه، حافظت أيضًا على اتصالات عبر القنوات الخلفية مع إسرائيل.
وقالت ثلاثة مصادر مطلعة لشبكة CNN إن ديفيد بارنيا، رئيس وكالة المخابرات الإسرائيلية الموساد، كان في قطر خلال عطلة نهاية الأسبوع لمناقشة الجهود المبذولة لإطلاق سراح الرهائن.
ويبدو أن العلاقة بين حماس وقطر تؤتي ثمارها في الوقت الحالي، فبالاضافة إلى المدنيين الفلسطينيين والأجانب الذين سمح لهم بمغادرة غزة يوم الأربعاء، تم إطلاق سراح أربعة رهائن كانت حماس تحتجزهم – امرأتان اسرائيليتان وامراتان أميركيتان اسرائيليتان – من خلال وساطة قطرية ومصرية.
واعترفت إسرائيل بجهود قطر، حيث قال مستشار الأمن القومي تساحي هنغبي إن الدولة الخليجية أصبحت “طرفا أساسيا وصاحب مصلحة في تسهيل الحلول الإنسانية”.
وكتب هنغبي على موقع X (تويتر سابقا) أن “الجهود الدبلوماسية التي تبذلها قطر حاسمة في هذا الوقت”.
في أعقاب انتفاضات الربيع العربي عام 2011، اختلفت قطر مع بعض جيرانها العرب بعد أن دعمت المتظاهرين الذين سعوا إلى الإطاحة بالأنظمة في العديد من الدول العربية.
وتدهورت العلاقات أكثر عندما قطعت السعودية والبحرين والإمارات ومصر علاقاتها الدبلوماسية مع قطر في منتصف عام 2017، متهمة الدوحة بدعم الإرهاب، وهو ما نفته قطر مرارا وتكرارا، وقد استغرق الأمر سنوات حتى تتمكن هذه الدول من إصلاح العلاقات.
وفي عام 2012، سمحت لحركة حماس بإنشاء مكتب سياسي في الدوحة، والذي لا يزال فعالاً، وقد جعلت هذه العلاقة من قطر وسيطًا مهمًا مع حماس خلال صراعاتها مع إسرائيل.
وتدفع قطر أيضًا رواتب القطاع العام في غزة، وهي جزء من تخصيصات شهرية بقيمة 30 مليون دولار للعائلات ووقود للكهرباء، وفقًا لرويترز.
وحافظت قطر على علاقات وثيقة مع الدول الغربية، وأصبحت موردًا متزايد الأهمية للطاقة باعتبارها واحدة من أكبر منتجي الغاز في العالم ومشتريًا رئيسيًا للأسلحة من الولايات المتحدة، وقد كانت على مدى عقود موطنًا لقاعدة جوية أمريكية عملاقة، وأعلنتها إدارة بايدن العام الماضي حليفًا رئيسيًا من خارج الناتو.
لكن الدوحة كانت أيضًا واحدة من أولى دول الخليج العربية التي أقامت علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وذلك في عام 1996، وكسرت بذلك أحدى المحرمات التي طال أمدها في المنطقة (وقد قطعت هذه العلاقات بعد غزو إسرائيل لغزة في عام 2009).
وكانت شبكة الجزيرة التابعة لها أول شبكة إخبارية عربية تضع خريطة إسرائيل على الشاشة وتدعو مسؤوليها لإجراء مقابلات على الهواء.
يقول كريج إن قطر تحاول “إيجاد مكان للدبلوماسية”، مضيفا أن أحد أهدافها هو تأخير الهجوم الإسرائيلي داخل غزة ولكن بالرغم من ذلك بدأت إسرائيل عمليتها البرية الكاملة يوم الجمعة، والتي قال مسؤولون أمريكيون لشبكة CNN إنها أدت إلى تعقيد الجهود الرامية إلى تحرير أكثر من 200 رهينة يعتقد أن حماس تحتجزهم.
وقال ماجد الأنصاري، المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية، لشبكة CNN، يوم السبت، إن مفاوضات الرهائن أصبحت أكثر صعوبة ولكنها مستمرة على الرغم من التصعيد على الأرض.
وأضاف كريج أن التوسط لإطلاق سراح الرهائن الذين اختطفتهم حماس هو وسيلة مفيدة للدبلوماسية القطرية، لأن بعض الرهائن يحملون جنسيات أوروبية وأمريكية، مما يمنح العديد من الدول مصلحة خاصة في دعم جهود الدوحة.
وقال جوست هلترمان من مجموعة الأزمات إن الوساطة كانت منذ فترة طويلة واحدة من أكثر “المهارات القابلة للتسويق” في قطر، في إشارة إلى تاريخ الدولة الخليجية الطويل في التفاوض بين اللاعبين الدوليين المتعارضين مع بعضهم البعض.
وتوسطت الدوحة في اتفاق تاريخي بين إيران والولايات المتحدة في سبتمبر/أيلول، شهد إطلاق سراح خمسة أمريكيين من السجون الإيرانية، وكان إطلاق سراح السجناء جزءًا من صفقة أوسع شملت قيام الولايات المتحدة بالإفراج عن 6 مليارات دولار من الأموال الإيرانية.
ولعبت قطر أيضًا أدوار الوساطة في الملف النووي الإيراني، حيث سهلت المحادثات غير المباشرة بين طهران وواشنطن في أواخر عام 2022.
وفي واحدة من أبرز جهود الوساطة التي بذلتها، أثبتت قطر في عام 2021 أنها حاسمة في إخلاء واشنطن من أفغانستان في اللحظات الأخيرة، عندما لم تسهل الدولة الخليجية السفر الآمن للأمريكيين في البلاد فحسب، بل عملت أيضًا كقوة حماية لهم في أفغانستان بعد ان اصبحت دولة تحكمها حركة طالبان، وهي حركة تقيم قطر معها علاقات دبلوماسية.
تعرضت الدوحة لانتقادات من إسرائيل والساسة الغربيين بسبب علاقاتها مع حماس.
واتهم وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين قطر الأسبوع الماضي بتمويل حماس وإيواء قادتها على الرغم من جهود الوساطة التي تبذلها الدوحة وأضاف في اجتماع رفيع المستوى للأمم المتحدة: “قطر، التي تمول وتؤوي قادة حماس، يمكنها التأثير وتمكين الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن المحتجزين لديهم” مضيفا “عليكم أنتم أعضاء المجتمع الدولي أن تطالبوا قطر بالقيام بذلك”.
وردا على ذلك، قالت قطر إنها “شعرت بالمفاجأة والغضب” من تصريحات الوزير الإسرائيلي، خاصة “في الوقت الذي تسعى فيه قطر إلى ضمان إطلاق سراح الأسرى وخفض التصعيد”.
وحذرت قطر من أن “هذه التصريحات الاستفزازية” يمكن أن تقوض جهود الوساطة بل وتعرض حياة الناس للخطر.
وقال كريغ إن الكثير من القطريين لديهم تحفظاتهم الخاصة بشأن حماس، وأن علاقة قطر مع حماس على الأرجح “تحتاج إلى القليل من التحقق من الواقع”.
وذكرت صحيفة واشنطن بوست يوم الخميس أن الولايات المتحدة وقطر “اتفقتا على إعادة النظر” في ارتباط الدوحة بحركة حماس بعد حل أزمة الرهائن، نقلا عن أربعة دبلوماسيين مطلعين على المناقشات.
وقالت صحيفة واشنطن بوست إنه تم صياغة الاتفاق خلال اجتماع عقد مؤخرا في الدوحة بين وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن وأمير قطر، مضيفة أنها لم تقرر بعد ما إذا كانت إعادة التقييم هذه “ستؤدي إلى نزوح جماعي لقادة حماس من قطر”.
وقال كريج إنه من غير المرجح أن تقوم قطر بطرد حماس، ولكن من المرجح أن تنأى بنفسها عن الجماعة، كما فعلت مع حركة طالبان، التي لها أيضًا مكتب في العاصمة القطرية الدوحة.
وقال جوست آر. هلترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية في بروكسل: “تلعب قطر دورًا نموذجيًا” في جهود الوساطة التي تبذلها لكن هناك كتلة سياسية في الولايات المتحدة غير راضية عن علاقات قطر مع حماس”.
ودعا عضوان جمهوريان في الكونغرس قطر إلى “تسليم قيادة حماس من الدوحة”.
وقال هلترمان إنه على الرغم من الضغوط على قطر لطرد حماس، فإن التخلي عن الجماعة سيكون “خطوة مدمرة للذات” بالنسبة لقطر.
قال: “سوف تفقد هذا الاتصال” مضيفا “ويمكن أن تكون هذه الاتصالات مفيدة في المستقبل”.
ومع ذلك، قالت إسرائيل إنها تسعى إلى تدمير حماس مرة واحدة وإلى الأبد حتى لا تهددها مرة أخرى، الأمر الذي قد يقلل من فائدة قطر كوسيط.